يستطيع كل أب وأم أن يميزا صرخة طفلهما الصغير عندما يتألم، إنه صوت يزعج النفس، فمن العسير احتماله، ولكن السبب وراء صراخ الطفل هو عدم الرضا والألم الذي عادة ما ينتج عن عدم الطاعة. وعندما ارتحل بنو إسرائيل من عند جبل سيناء إلى أرض كنعان، تذمروا وصرخوا واشتكوا عند كل مرحلة. لقد ركزوا انتباههم على المتاعب التي تواجههم، فهرب الإيمان، وأضافوا أربعين سنة لرحلتهم.
وسفر العدد، الذي يسجل القصة المأساوية لعدم إيمان بني إسرائيل، يجب أن يكون درساً مثيراً لكل شعب الله. فالله يحبنا ويريد الخير لنا، وهو جدير بكل ثقة. كما يرسم لنا سفر العدد صورة واضحة لصبر الله، فكم من المرات عفا عنهم وحفظهم كأمة. ولكن لا يجب أن نستمريء صبره، فلابد من وقوع قصاصه، فعلينا أن نطيع.
يبدأ سفر العدد وبنو إسرائيل نازلون عند جبل سيناء، وكان الشعب قد أخذوا شرائع الله. وأجرى تعداد لتحديد عدد الرجال الصالحين للخدمة العسكرية. ثم "تقدس" الشعب، أي أُفرزوا لله. لقد كان الله يُعد الشعب روحياً وجسمانياً للدخول للأرض التي وعدهم بها.
ولكن بدأ تذمرهم. فتذمروا أولاً على الطعام، ثم على قيادة موسى. وعاقب الله بعض الأفراد ولكنه عفا عن الأمة، استجابة لصلاة موسى. ووصلت الأمة إلى قادش، وأرسل موسى جواسيس إلى كنعان لاكتشاف مدى تحصينها. فرجع عشرة منهم بأخبار مزعجة عن الجبابرة الذين يستحيل الانتصار عليهم. لكن كالب ويشوع وحدهما، شجعاهم بالقول : "نصعد ونمتلك" الأرض كما وعد الله. ولكن كلام الأقلية وقع على آذان صماء امتلأت برسالة التشاؤم التي جاءت بها الغالبية. وأعلن الله، لعدم إيمانهم، أنه لن يعيش أحد من ذلك الجيل ليرى أرض الموعد. وهكذا بدأ "تيهانهم". وطوال هذا التجوال في البرية، حدثت سلسلة متصلة من التذمر والتحدي والتأديب والموت. وكم كان من الأفضل لو أنهم وثقوا في الله ودخلوا الأرض! ولكن بدأ الانتظار، انتظار موت الجيل القديم، وانتظار ما إذا كان الجيل الجديد يستطيع أن يطيع الله.
وينتهي سفر العدد كما بدأ بالاستعداد، فيُحصى الجيل الجديد من بني إسرائيل ويتقدسون. وبعد أن هزموا العديد من الجيوش، استقروا على الجانب الشرقي لنهر الأردن. وها هم يواجهون أعظم اختبار لهم : يجب أن يعبروا النهر ويمتلكوا الأرض الجميلة التي وعدهم بها الله.